فصل: باب: صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ فَضْلِ العَمَلِ في أَيَّامِ التَّشْرِيق

واعلم أن العبادة في تلك العشرة أفضلُ منها في سائر السَّنَة، حتى قيل‏:‏ إن أفضلَ النُّهُرِ نُهُر عشرةٍ ذي الحِجَّة، وأفضلَ الليالي ليالي رمضانَ، ثُمَّ عَمَلُ السَّلَف في تلك العشرة ماذاكان‏؟‏ فلم يظهَر لي غيرُ الصيام والتكبير‏.‏

فالعبادةُ الخاصَّة في هذه الأيام هي هاتان فقط‏.‏ وثبت فيها التكبيرُ من غُرَّة ذي الحِجة، كأنه شِعَارٌ لهذه الأيام، بل شعاريتُهُ أَزْيدُ من التلبية‏.‏ فما في المتونِ فهو بيانٌ للواجب لا لوظيفةِ هذه الأيام‏.‏ وعليه فَلْيُحْمَل ما رُوي عن الإِمام رحمه الله تعالى أَن شرائطَ التكبير شرائطُ الجمعة‏.‏ فإنه يجوزُ لأصحاب القرى أيضًا‏.‏

وذِكْرُ اللَّهِ لا حَجْر عنه بحال، واستدل عليه بما روي عن عليَ رضي الله تعالى عنه‏:‏ «ولا جُمْعَةَ ولا تَشْرِيق»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

وتتبَّعْتُ أنه هل أرادَ أَحَدٌ من التشريقِ أيضًا‏؟‏ فرأيت في «غريب الحديث» لأبي عبيد أنه لم يَبْلُغْه عن أحدٍ منهم غيرُ الإمام رحمه الله تعالى‏.‏ وأبو عبيد هذا تلميذُ الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ومستفيدٌ من مُحمدٍ، ومدوِّن لِعِلْم غريب الحديث، ويُعَدَّ في الفِقْه مِثْل محمد‏.‏ وعن بَعْض السَّلف رَحِمهم الله تعالى أنهم حملوا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 185‏)‏ على تلك التكبيرات الفاضلة في الخارج أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏أَيَّامٍ مَّعْلُومَتٍ‏}‏‏)‏ أيَّام العَشْر، والأَيَامُ المعدوداتُ أيامُ التشريق‏.‏ إنما فَسَّر ابنُ عباس رضي الله تعالى عنه المعدودات بِأَيَّامِ التشريق لكونِ لَفْظِ المعدوداتِ مُشْعِرًا بالقلة، أيَّامِ التشريق ثلاثة، فَفَسَّرها بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان ابنُ عمرَ رضي الله تعالى عنه وأبو هريرةَ يَخْرُجَانِ إلى السُّوْقِ في الأيامِ العَشْر يكبران‏)‏ وقد مر معنا أن التكبير من وظائف هذه الأيام‏.‏ وهو مَحْمَلُ تكبير محمد بن علي الباقر بعد النافلة‏.‏ وأما ما في الفِقْه من إتيانِهِ دُبُرَ الصلواتِ المكتوبات فقط، فهو بيانٌ للواجب‏.‏ فعند الإمام رحمه الله تعالى من صبيحة عرفةَ إلى عَصْر يوم النَّحْر، وعند صاحبيه إلى عَصْر اليوم الرابع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويكبر الناس بتكبيرهما‏)‏ ويُستفاد منه ومما أخرجه البخاريُّ من الآثار في الترجمة التالية‏:‏ أنَّ المطلوبَ في التكبير الموافقةُ فيه مِمَّن في حواليه‏.‏ وعليه ما عند الترمذي‏:‏ «أن الله أكبر يملأ الميزان» ولم يَحْكُمْ عليه الترمذي‏.‏ وعند مسلم‏:‏ «أن سبحانَ الله نِصْفُ المِيْزان»، وكذلك «الحمد لله»‏.‏ فلو صَحَّ ما عند الترمذي فَوَجْه الفَرْق بين كون «الله أكبر» الميزانَ كلَّه وسائر الأذكارُ «نِصْفُ الميزان»‏:‏ أن التكبير يطلب الموافقة وذلك بالجَهْر، وعند ذلك يملأُ الجوَّ بما فيه فيكون الميزان كله‏.‏ لأن كِفَّةَ ميزانِ الآخرة كما بين السماءِ والأرض كما يُسْتفاد من الأحاديث وسنقرِّرُه‏.‏وليست هذه الخصوصيةُ في الأذكار غيرَه‏.‏

ثم اعلم أنهم يُطْلِقون الأيَامَ العَشْر- والعاشر منها يومُ النَّحْر والصومُ فيه حَرامٌ- فيذكرون العَشْر ويريدون به التِّسْع‏.‏ وقد يَخْطُر بالبال أنَّ الإمساك في نصف يوم النحر كأنه نِصْفُ صَوْمٍ في نَظر الشارع، فإنَّ المستحبَّ في هذا اليوم الأكلُ من أُضحيته، ولا تكون إلا بعد الصلاةِ فلزِم الإِمساكُ، وعليه ما في «المُسْتَطْرَف» من حكاية العجوز‏.‏

969- قوله‏:‏ ‏(‏ما الْعَمَلَ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا في هذه‏)‏ وفي نسخة‏:‏ «ما العَمَلُ فِي أَيَّامِ العَشْرِ أَفْضَلَ من العملِ في هذه»‏.‏ وهذا يقتضي نَفْيَ أَفضليةِ العمل في أيامِ العَشْر على العمل في هذه الأيام‏.‏ قلتُ‏:‏ وهو تَصْحِيْفٌ عِنْدي‏.‏ والصواب كما في الصُّلب، لأن هذا الحديث كثيرُ الطُّرُق، وفي سائرها ذُكر فَضْلُ العمل في الأيام العَشْر، وقد أطال الحافظ رحمه الله تعالى الكلام فيه‏.‏

969- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ ولا الجِهَادُ في سبيلِ اللَّهِ‏)‏ وحاصلُ الحديث على ما قالوا أَنَّ العملَ في هذه الأيام أفضل من ذلك العملِ إذا كان في غير هذه الأيام‏.‏ فليس فيه تفضيلُ الشيء على نَفْسه باعتبار زمان واحدٍ ليلزم المُحال، بل باعتبار الأزمنة المختلفة‏.‏ ثم قالوا‏:‏ إنه ماذا يكون حينئذٍ معنى قوله‏:‏ «ولا الجهادُ في سبيل الله»‏؟‏ فقالوا‏:‏ إنَّ كونَهُ مَفْضُوْلا أيضًا معقولٌ، لأن الاشتغال بالجهاد فيها يوجِب فواتَ الحج‏.‏

أقول‏:‏ والصوابُ عندي أنْ تفضل الأَعمال المختَصَّة بهذه الأيام على جميع الأعمال في سائر السَّنة‏.‏ وقد علمت أنها بعد التتبع ليست إلا الصيام والتكبير‏.‏ وإذَن معناه أَنَّ التكبير والصيام في هذه الأيام أَفضَلُ من سائر الأعمال فيما سواها‏.‏ فالعملُ وإن كان عامًّا في اللفظ لكنه خَصَّصْناه بهذين نظرًا إلى الخارج‏.‏ ولا ريب أن الفَضْل في تقديم الوظيفةِ الوقتية‏.‏ وهذا الشرح أخذتُهُ مِنْ الزَّيْلعي‏.‏ ثم هذا كلُّه إذا لم يكن الجِهَادُ فرضًا، فإن الكلام في الفضائل دون الفرائض‏.‏

باب‏:‏ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَة

باب‏:‏ الصَّلاةِ إِلَى الحَرْبَةِ يَوْمَ العِيد

وهو يومان إنْ تَعَجَّل، فإن تأخَّر فالثالثة أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا غَدَا إلى عَرَفَة‏)‏ هذا هو التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان عُمَرُ رضي الله عنه يُكَبِّرُ في قُبَّةٍ بمنَى‏)‏ وهذا ما قلت‏:‏ إنَّ التكبير من سُنَّة هذه الأيام، وأما بعد الصلوات فواجِبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ‏)‏ ولا دليلَ فيه على جَهْرِهنَّ بها كما يدلُّ عليه حديثُ الترمذي‏.‏

970- قوله‏:‏ ‏(‏ويُكَبِّرُ المُكَبِّرُ فلا يُنْكَرُ عَلَيْهِ‏)‏ وشعارية التكبير في هذه الأيامِ أَزْيَدُ من شعارية التلبيةِ‏.‏ حدثنا محمد- وهو البخاري نفسه- حتى تَخْرُجَ الْحَيْضُ، وليس لهن غيرُ التكبير ويدعون بدعائهم، أي بدعائهم للمؤمنين في خلال الخُطبة، لأنه لم يَثْبُت عنه صلى الله عليه وسلّم بعد صلاةِ العيدين دعاءٌ، فالسُّنة الخاصَّة في ذلك قاضيةٌ على عموم الأحاديث في الأذكار بعد الصلوات‏.‏

وفي «المدخل» لابن الحاج المالكي‏:‏ أن السَّلف الصالحين كانوا يجلِسُون بعد الصبح والعصر في المسجد، لهم زَمْزَمةٌ وَدَوِيُّ كَدَوِيِّ النَّحْل، فهذه أحوالهم لأنفسِهم دونَ حالِ الجماعة‏.‏

باب‏:‏ حَمْلِ العَنَزَةِ أَوِ الحَرْبَةِ بَينَ يَدَيِ الإِمامِ يَوْمَ العِيد

باب‏:‏ خُرُوجِ النّسَاءِ وَالحُيَّضِ إِلَى المُصَلَّى

باب‏:‏ خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى المُصَلَّى

قد كان ترجم أولا‏:‏ بأن لا يُحْمل السلاح يومَ العيد، وترجم ههنا بجواز الخروج مع الحربة ليجعلها سُتْرةً‏.‏

باب‏:‏ اسْتِقْبَالِ الإِمامِ النَّاسَ في خُطْبَةِ العِيد

باب‏:‏ العَلَمِ الَّذِي بِالمُصَلَّى

976- قوله‏:‏ ‏(‏قد خرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلّم يومَ أصحىً إلى البَقيع‏)‏ وهو بَقِيْعُ المُصَلَّى لا بقيعُ الغَرْقَد كما فهمه العَيْنيُّ رحمه الله تعالى وفيه يقول الشاعر‏:‏

أَلا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَغَيَّر بعدنا *** بقيعُ المُصلَّى أم كَعَهْد القرائن

باب‏:‏ مَوْعِظَةِ الإِمامِ النِّسَاءَ يَوْمَ العِيد

باب‏:‏ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلبَابٌ فِي العِيد

باب‏:‏ اعْتِزَالِ الحُيَّضِ المُصَلَّى

978- قوله‏:‏ ‏(‏فَلمَّا فَرٍعَ نزل‏)‏ وهذا يدلُّ على أنه كان هناك موضعٌ، مرتِفعٌ خطب عليه وإن لم يكن مِنْبرٌ في عهده صلى الله عليه وسلّم على ما مرَّ‏.‏

978- قوله‏:‏ ‏(‏قلت لعطاء‏:‏ زكاةَ يومِ الفِطْر‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ وجزم هذا الراوي بكونها صدقةً عامّلا ولم تكن صدقة الفطر وإنِّي متردِّدٌ فيه‏.‏

979- قوله‏:‏ ‏(‏الفَتْخُ‏)‏ خَاتِمٌ كبير ويُلْقِين للاستمرار التَّجَدُّدِي ‏(‏دالتي كئين‏)‏

979- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالتِ امرأةٌ واحدةٌ مِنْهنَّ‏)‏ وهي أسماءُ بِنْتُ يَزِيد التي عُرِفت بخطيبة النِّسَاءِ‏.‏

979- قوله‏:‏ ‏(‏قال عبدُ الرَّزَّاقِ‏)‏‏:‏ وهو صاحبُ المصنِّف- بالفتح- واعلم أن التصانيفَ إلى زَمَنِ أحمدَ رحمه الله تعالى كانت فيها الآثارُ والمرفوعاتُ مختلِطةً، ثم فَصَل أحمدُ رحمه الله تعالى بين المرفوعات والآثار ودَوَّن المرفوعات فقط‏.‏ وأول مَنْ جَرَّدَ الفِقْه عن الحديث محمدُ بنُ الحسن، وهو السرُّ فِي عَدَمِ رضاءِ المُحدِّثين عن الحنفية‏.‏

فائدة مهمة في‏:‏ بيانِ ما وقعَ منهم في الْجَرْح والتعديل يَنْبَغي الاعتناءُ بها

واعلم أن ما جَرَّبناه في هذا الباب وَسَيُجَرِّبُهُ مَنْ كان لم يجرِّبْه‏:‏ أنهم في غير مَوْضع الخلاف لا يَرَوْن ألا حال الرَّاوي بحسب الظاهر‏.‏ فإن كان عندهم قائمًا صائمًا لا يخالِفُ ظاهرَ الشَّرْع ويتعاطى العلم يوثِّقُونه بلا نكير، حتى رأيتُ أنه وَثَّقُوا بَعْضَ مَنْ رُمُوا بالكُفْر ولم يجرِّحُوه بإِكْفَارٍ أحدٍ عند ثبوت صلاحه عندهم، نعم إذا دخلوا في موضع الخلاف فليست لهمِ ضابطةٌ فيه ولا سيما في حقِّ الحنفية‏.‏ فإنَّ المحدِّثين لم يزالوا منهم في سَخَط، حتى إن بَعْضَهُم تأخَّر عن أَخْذِ حديثهم أيضًا‏.‏ فانْظُر إلى تَحَامُلِ القوم إنهم يأخذون من نحو عبد الرَّزَّاقِ مع كونه شِيعيًا وإن لم يكن سابًا للصحابة رضي الله عنهم وهم مع ذلك عن أحاديث الحنفية لمعرِضُون‏.‏

فالذي ينبغي الاعتماد عليه في هذا الباب أن يُنْظَر إلى حال الرَّجُل نَفْسِه، فإنْ تحقَّقَ عندنا بعد السَّبْرِ صلاحُهُ وحِفْظُهُ فإِذَن لا نعمل فيه بقوْلهم، إن رضا الناس غايةٌ لا تُدْرِك، ونعملُ بما جَرَّبنا فيه وعَلِمنا من حاله، فإن البيان ليس كالعيان‏.‏ نعم إذا لم تُعْلم حالهُ فإذن ليس لنا فيه سبيلٌ إلاّ بالاعتماد على ما قالوا‏.‏ لا أريد به رَفْعَ الأمانِ عن ما قالوه، بل أريدُ بيانَ مرتبة الأَخْذِ بما قالوه‏.‏ فعليك أن تتأمل فيه لتنجلي لك حقيقةُ الحال‏.‏

باب‏:‏ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالمُصَلَّى

النحِر مُخْتَصُّ بالإِبِل، والذَّبْح فيما سواه، ثُمَّ الْفَرْق بينهما مستحب، وكذلك الأضحية مُسْتَحَبَّة في المُصَلَّى‏.‏

باب‏:‏ كَلامِ الإِمامِ وَالنَّاسِ في خُطْبَةِ العِيد، وَإِذَا سُئِلالإِمامُ عَنْ شَيءٍ وَهُوَ يَخْطُب

وقد مر منا تحقيق المسألة، والتَّصْريح عن ابن الهُمَام بأن مسألة الاستماع مقتصِرة على ما سوى الإمام‏.‏ ولعل المُصنِّف رحمه الله تعالى يُشِير إلى أنَّ في خُطبة العيدين سعةً بالنسبة إلى خُطبة الجمعة‏.‏ وهو المختار عندي وإن كان في كُتُبنا أنهما سواء‏.‏

985- قوله‏:‏ ‏(‏فَلْيَذْبَحِ بِاسْمِ اللَّه‏)‏ وصيغة «بسم الله والله أكبر» بالواو وبدونها، وهكذا على الطعام مجملة، ولفظُهُ قبل الوضوء كما في «معجم الطبراني»‏:‏ «بسم الله والحمد لله»‏.‏ وحَسَّن العَيْنيُّ إسناده، ورأيتُ فيه عِلَّة‏.‏ ثُمَّ إنَّه لم يجيء للإِهلال غيرُ التكبير، ولذا ورد قُبَيل الصلاة، وقُبَيل الذبح، بخلاف التسبيح وغيره، فإنه لم يرد لهذا‏.‏ وأعني بالإهلال جَعْلَ شيئًا خالِصًا لله تعالى‏.‏

983- قوله‏:‏ ‏(‏فهل تُجزىءُ عني‏)‏ ومن استعمالاته‏:‏ أجزأ الإِبِل بالرُّطْب عن الماء، وأجزأ اللبن عن الطعام والشراب، وأما لفظ صح فمقابل للكسر، وقد مَرَّ تحقيقُ هذين اللفظين‏.‏

باب‏:‏ مَنْ خالَفَ الطرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ العِيد

قيل‏:‏ للتفاؤل، لأن العَوْد من طريقٍ بدأ منه يُشْبِ نَقْضَ العمل‏.‏ وقيل‏:‏ إظهارًا لشوكة المسلمين‏.‏

986- قوله‏:‏ ‏(‏تَابَعَهُ‏)‏ وإطلاقُ المتابعةِ فيه خلافُ مُصْطَلَحِهِم لِتَغَايُر الصحابي رضي الله تعالى عنه، فهو إذن شاهد، نعم يُعْلم من بَعْض النُّسخ أنها متابعةٌ على اصطلاحهم أيضًا‏.‏

باب‏:‏ إِذَا فاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي ركْعَتَينِ، وَكَذلِكَ النِّسَاءُ، وَمَنْ كَانَ في البُيُوتِ وَالقُرَى

واعلم أن قضاءَ ركعتي العيد بعد الفوات مسألةٌ أُخرى، ويتأتَّى على مذهب مَنْ لا يقول بالجُمعة في القُرى أيضًا‏.‏ ففي مبسوطات فِقْهنا‏:‏ مَنْ فاتتهه سئخنَّةُ العيد‏.‏ فإنه يصلِّي ركعتين أو أربعًا في بيته‏.‏ ولم يكتب أحَدُهم ماذا يفعلُ مع التكبيرات‏.‏ ثم إن هذا القضاءَ ليس كقضاءِ المكتوبات، فإنه يَبْقَى واجِبًا بعد الفوات أيضًا، بل هو كقضاء السُّنة‏.‏

وفي «العناية»‏:‏ أن للسُّنة أيضًا قضاءً، ولكنها تَنْحَطُّ عن السُّنية إلى الاستحباب‏.‏ والسرُّ فيه أن السُّنة تثبت باستمرار فِعْله صلى الله عليه وسلّم وتكون محفوفةً بالخصوصية الوقتية، فلا يبقى له طالبٌ بعد الفوات، بخلاف الواجب والفَرْض، فإنه يَثْبُبُ بالأمر، فإذا فات عن وقته بقي الأَمْرُ طالبًا له‏.‏ وهذا معنى ما كتبه الأصوليون أن الموجِب في الوقت هو الأَمْرُ، فإذا لم يؤده في الوقت استمر طلب الأَمْرِ منه، وليس هكذا حال السنة فإنها تكون محفوفة بالخصوصية، فإذا فاتتا عن وقتها لا يبقى لها طالب بعده‏.‏ ومن العجائب ما في «مختصر خليل» أن قضاءَ السنن حرامٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عِطاءٌ‏:‏ إذا فَاتَهُ العِيْدُ صَلَّى رَكْعَتَيْن‏)‏ فعطاء يقول بالقضاءِ، مع أنه قد مَرَّ عنه في باب الجمعة ما أَصْرَحُ منه في موافقته للحنفية‏:‏ أن لا جُمْعَة في القُرَى‏.‏ ولذا ينبغي التمييز بين مسألة الجمعة في القُرى وقضاءَ العيدين‏.‏

ثم إن مسألته في العيد في الفائتة دون المؤداة ولا نزاع فيها، والمصنف جمع بينهما، ولا دليلَ في كلام المصنف رحمه الله تعالى أنه أجاز العيد في القُرى أو لا، لأنه بَوَّب بالفائتة دون المؤادة‏.‏ فيجوزُ أن تكون الإعادةُ من جهة الفوات لا لكونِ العيد في القرى‏.‏ ثُمَّ إنهم لم يقولوا بالقضاء عن الجُمْعةِ، بل يُصلِّي الظهر، لأن الجمعة بَدَلٌ عنها فلا تقام بها إلا عند استجماع شرائِطِهَا، والاستيقان بتحقيقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وَصَلَّى كَصَلاةِ أَهْلِ المِصْرِ‏)‏ وقد ثبت عندي أنه فاتَتْهُ العيدُ فَصَلَّى كذلك، وحينئذٍ خرج أَثَرُ أَنَس رضي الله تعالى عنه عن مَوْضِع النِّزَاع، فإنَّ القضاء لا يُنْكَرُ هنا أيضًا‏.‏ نعم، أَثَرُ عِكْرِمَةَ صريحٌ في إقامة العيد في القُرى‏.‏

باب‏:‏ الصَّلاةِ قَبْلَ العِيدِ وَبَعْدَهَا

الصلاةُ قَبْلها مكروهةٌ حتى الإِشراق أيضًا، وأما بعدها فجازت في البيتِ دون المُصَلَّى‏.‏

كتاب‏:‏ الوِتْر

باب‏:‏ ما جاءَ في الوتْر

واعلم أن الكلام في أبواب الوِتْر في مواضع‏:‏ في الفَرْق بينها وبين صلاةِ الليل، وفي صفتها أواجبة هي أم سنة‏؟‏ وفي ركعات الوتر، وأنها بتسليمةٍ أو بتسليمتين‏.‏فنقول‏:‏ والذي يتَّضِح من صَنِيْع المحدِّثين كافةً أنهما صلاتانِ متغايرتان عندهم‏.‏ فإنهم يُبَوِّبُون لكلَ منهما بابًا بابًا، ثم يذكرون صلاةَ الليل في أبواب الوِتربوالعكس، لارتباطٍ بينهما‏.‏ وهو نَظَرُ الحنفية، فإنهم قالوا‏:‏ إن الوِتْرِ قِطْعةٌ من صلاةِ الليل صارت صلاةً برأسِعا مستقلةً بقراءتها، وصفتِها، وركعاتها‏.‏

وأما الشافعية رحمهم الله تعالى فلا فرق عندهم بينهم، إلا أنَّ أَقلَّ الوِتْر عندهم ركعةٌ، واتفقوا على أَنَّ أكثَرَهَا إحدى عشرة ركعةً، واختلفوا في ثلاثَ عشرةَ، وأما من حيثُ كونُها صلاةَ الليل فتجوز عندهم ألفَ ركعةٍ بسلامٍ واحدةٍ، وسنوضِّحُه في صلاة الليل‏.‏

ومِنْ ثَمَّة اختلفوا في صفتها‏:‏ فَمَنْ لم يفرِّق بينها وبين صلاةِ الليل لم يَسُغ له القولُ بوجوبها‏.‏ ومَنْ فَرَّقَ بينهما ساغ له أن يفرِّق بين صِفَتَيْهِمعا فيقول بوجوب الوِتْر وسُنِّيةِ صلاةِ الليل أو استحبابها‏.‏ وقد مرَّ أن في إيقاظ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أَهْلَهُ للوِتْر دون صلاة الليل، والأَمْرَ بأدائها في أوَّل الليل لِمَنْ لا يَثِقُ بالانتباه في آخر الليل، وإيجاب القضاء على مَنْ فاتته، وإفرازها بالقراءة، وتعيين وقتها وركعاتِهَا لآياتٌ دالَّةٌ على الوجوب‏.‏ واتفقوا على عدم جواز تَرْكها أيضًا‏.‏ فحينئذٍ لم يَبْقَ نِزَاعٌ إلا في إطلاق لَفْظ الوجوب، وهذا كما ترى مما لا ينبغي فيه النزاع‏.‏

ثم الأفضل عندهم أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ بتسليمتين، فإنْ كانت بتسليمةٍ فالأفضلُ أن تكون بقعدةٍ على الأخيرة‏.‏ فإن صلاها بقعدتين على الثانية والثالة مع تسليمةٍ واحدةٍ، فقيل إنه مَفْضولٌ، وقيل‏:‏ غير صحيح‏.‏ ثم قالوا‏:‏ إنه إن صلاها خمسًا فطريقُها أن يصليها بقعدةٍ على الأخيرة، أو بقعدتين على الرابعةِ والخامسةِ، ثم إن شاءَ سَلَّم على الرابعة والخامسة فقط، وقِسّ عليها حالَها إلى إحدى عشرةَ‏.‏ وإن أَرَدْتَ أن تكتفي بواحدةِ الوِتْر فذا عندهم جائزٌ أيضًا‏.‏

أما عند مالك فظاهرُ موطئة إن الوِتْر ثلاثٌ بتسليمتين وجوبًا ولا تصح بواحدةٍ‏.‏ وتأوَّله الشارحون وقالوا معناه نَفْيُ الكمال، وذهبوا إلى استحباب الثلاثِ مع صحَّة الواحدة‏.‏ وقريبٌ منه مذهبُ أَحمد رحمه الله تعالى‏.‏

قلتُ‏:‏ لم يَثْبتُ عن النبيّ لله الاكتفاءُ بركعةٍ واحدةٍ قط بحيث لا يكون قَبْلَها شيءٌ ولا بَعْدَها شيءٌ، كما أقرَّ به الشيخُ عمرو بنُ الصَّلاح‏.‏ وكذا ليس عندهم للفَصْل بينَ ركعاتِ الوتر شيءٌ غير المُبْهَمَاتِ‏.‏

ولنا في كونها ثلاثَ ركعاتٍ وأن لا تسليمَ بينها صرائح ضوامَر من النصوص‏.‏ وأما المصنِّف رَحِمه الله تعالى فقد وَافَقَنَا في تَغَايُرِ الصلاتين‏.‏ ولعلَّه وافقنا في الوجوب أيضًا، كما سيجيء تقريره، وكذا في أنه ثلاثُ ركعات ولذا لم يُخرِّج في الباب الأَحاديثَ التي تَدُلُّ على كونِ الوِتْر خَمْسَا إلى ثلاثةَ عشرَ، نعم خالفنا في كونها بتسليمةٍ وجَزَم بكونها بتسليمتين‏.‏ ثُمَّ لم يستطع أن يستدلَّ عليه إلا بأثرٍ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه‏.‏ فلنا أيضًا آثارٌ عن عمر، وعليَ، وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم‏.‏

وفي «المُدَونة» من قِيام رمضان‏:‏ أَنَّ آخِرَ ما صلَّى بها الوِتْر بعد التراويح ثلاثُ ركعاتٍ، وعند الطحاوي‏:‏ أنَّ عمرَ بن عبد العزيز أَثْبَتَ الوِتْر بالمدينة بقولِ الفقهاءِ ثلاثًا لا يُسلِّم إلا في آخِرِهنَّ‏.‏ وعنده عن أبي الزِّنَادِ عن السبعة‏:‏ سعيد بن المسيَّب، وعروةَ بن الزُّبير، والقاسم بن محمد، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وخارجةً بنِ زيد، وعبيد الله بن عبد الله، وسُلَيمان بن يَسَار، في مشيخةٍ سواهم أَهلَ فِقْهٍ وصلاحٍ وفضلٍ، وربمااختلفوا في الشيء، فأخذ بقول أَكثرِهم وأفضلِهم رأيًا، فكان مِمَّا وَعَيْت عنهم على هذه الصفة‏:‏ أن الوِتْر ثلاثٌ لا يُسلَم في آخَرِهنَّ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وفيه عبدُ الرحمن بن أبي الزِّناد، وفيه لَيِّن‏.‏

قلتُ‏:‏ وعَلَّق عنه البخاري في الاستسقاء‏.‏

995- قوله‏:‏ ‏(‏صلاةُ الليلِ مَثْنَى مَثْنَى‏)‏‏.‏ واعلم أنه قد تكلَّمنا عليه مرةً في‏:‏ بابِ الحِلَق في المساجد، والآن سُنِح لنا أن نعود إليه ثانيًا مع إفادات جديدةٍ تركناها مِنْ قبل‏.‏ فاعلم أَنَّ أَخْذَ المَثْنى في التعبير ليس لنكتةٍ فيها، بل التدرُّج من الأقل- إذا لَمْ يُدْر أنه كم يُصلَّى- طريقٌ فطري أو هو لِدَفْع مضرةٍ في ذِكْر غيره من العدد‏.‏ فإنه لو قال‏:‏ صلاةُ الليل أربعٌ، لانحصرت صلاةُ الليل فيه، لكونِ هذا العددِ أقلَّ من الأكثر، وأكثرَ من الأقلّ، فلا بد للتخصيص من نكتةٍ، وحينئذٍ تبادر إلى الذِّهن اختصاصُ صلاةِ الليل به، ولانحصر الوِتْر في الخَمْس، وقد مرَّ تقريره‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنَّ المثنويةَ إذا قامت بالسلام ثَبَتَ أنها ثلاثُ ركعاتٍ بتسليمتين‏.‏ فترجَّح ما ذهبوا إليه ولا سيما إذا كان هذا الحديثُ قوليًا، وخلافُهُ إِنْ ثَبَتَ فإنه فِعْلِيُّ، والقولي مقدَّم‏.‏

قلتُ‏:‏ إما ترجيحُ القولِ على الفعل فلكون القولِ تشريعًا عامًا والفعل واقعةً جزئيةً غيرَ معلومةِ الحال على الأَغْلَب، والأَمرُ ههنا بِالعْكْس‏.‏ فإن فِعْلَه صلى الله عليه وسلّم ههنا مدّةَ عُمره على الوَصْل كما يرويه مَنْ رأَى وِتْرَه الدهر كلَّه‏.‏ وهي عائشة رضي الله عنها، ومَنْ كَان ذهب لرؤية وِتره وهو ابن عباس رضي الله عنه، لا يحكي إلا أنها ثلاث بسلامٍ واحدٍ في آخِرِهنَّ‏.‏ وأمَّا القول فَهو مُبْهَم يحتمل الوّجُوهَ ولا يقولُ عاقلٌ بترجيح هذا النحو من الفِعْل على مِثْل هذا القول‏.‏

ثم اعلم أَنَّ كلَّ أَمْرٍ حُمِل على خصوصيته صلى الله عليه وسلّم لا بد أن يكونَ أفضلَ وأَحْرَى في باب العبادات، فإنَّ اختصاصَ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لا يكون إلا بما هو أَفْضَلُ، كالوصالِ وغيرهِ، بخلاف نحوِ الاستقبالِ والاستدبارِ‏.‏ فإِنَّا لو حملناه على الخصوصيةِ لا يكون دليلا على أفضليتِهِ، بل يجوزُ أن يكون استقبالُهُ صلى الله عليه وسلّم لكونِهِ أَشرفَ في نفسه من الكعبة، فانتفَتْ عِلَّة الكراهة وهي الاستهانة‏.‏

على أنه قد مر معنا أَنَّ مسألةَ صلاة الليل فيه تمهيدي‏.‏ والمَسُوق له بيانُ نَضَد الوِتْر بصلاة الليل، وأنه كيف يجعلُهَا آخِرًا‏؟‏ فهداه أنه يَجْعَلُهَا آخِرًا بأن يَضُمَّ معها واحدةً في الآخِر، فيصيرُ ما قد صَلَّى مِنْ مَثْنَاه قبلَه، أو مجموع صلاة الليل وِتْرًا إن اعتبرناه على طريقِ صِفَةِ الشيء بحال متعلقة، فبناؤه على أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ، أما كونُهَا مفصولةً بسَلام، فهو أَمْرٌ آخَرُ لم يتعرض إليه في هذا الحديث، ولا أُريد تَعْلِيمُهُ منه، وإنما عَلَّمه منه نَضْدَ الوِتْر بصلاةِ الليل، كما مر عن صحيح مسلم- ص 298 ‏:‏ إنَّ سائلا سأله‏:‏ كيف أوتر صلاة الليل‏؟‏ وإذا لم يبين له عددًا لأنه في إبان الصبح لا يدرى كم يدرك من الركعات، بدأ من مثنى لأنها أقل، ولعله يكتفي بها فقط‏.‏ فالتسليم على كلِّ مَثْنى ليس مقصودًا، بل هو لِفَرْض أن صلاتَه هذا القدر فقط إن لم يدرك وقتًا بعدها، أو يزيد عليها مَثْنَى أُخْرَى إن أدرك وقتًا، ثم إذا خَشِي الصبح يُبادر إلى الوِتْر‏.‏ ولما كان الوِتْر مُركَّبَا من مَثْنَى وركعة، فَصل الراوي مثناها في الذِّكْر فقط، ونَبَّه على أن حقيقة الإتسان قامت بواحدةٍ، فهي في النظر فقط بيانٌ للإيتار لا للفَصْل في العمل أيضًا‏.‏

وبالجملة أنَّ المَثْنَويَّة عندنا قامت بالقعدة، وعند الشافعية بالسلام، فلزِمهم أن يقولوا بالتسليم على مَثْنَى الوتر أيضًا‏.‏ فثبتَ التسليمُ بين الركعتين، والركعة من الوتر بخلافِهَا عندنا، فإنها باعتبار القعدة سواءٌ كان فيها التسليم أو لا، وهذا القَدْر قد بَيَّناه مِنْ قبل‏.‏

والآن نريد الخوض في لَفْظ‏:‏ «تُوْتِرُ له مَا قَدْ صَلَّى» أنه ما يفيد‏؟‏ وأنه ما الفَرْقُ بينه وبين قوله‏:‏ «فاوتر بواحدة»‏.‏ وقد وعدناك بيانَه مرارًا وأَوفيناه أيضًا، ولكنا نفيدك الآن فائدةً لم تكن على خبرةٍ منها بعد‏.‏

فاعلم أنا قد مَهدنا مِنْ قبل أن الفِعْل المتعدي إذا اعتبرت فيه المعهودية يصيرُ لازِمَا، وحيئنذٍ يتعدى بحرف الجر، كقوله‏:‏ قرأ الفاتحة، وقرأ بالفاتحة، ومسح رأسه، ومسح برأسه‏.‏ ومِنْ هذا الباب أَوْتَره وأوتر به‏.‏ وحينئذٍ معنى قوله‏:‏ أَوْتِر به أَن الواحدة هي الوِتْر المعهود عند الشرع‏.‏ ومعنى الأَيثار بها أن يفعل بها فِعْل الوتر، وحينئذٍ يكون الحديثُ دليلا على أن الوِتْر ركعةً كما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله تعالى‏.‏

قلتُ‏:‏ وإن كان حقُّ اللفظ هو هذا، إلا أنَّه لما تبين لنا انتفاءُ كونِ الركعة صلاةً مُعتبرة من جهة صاحب الشرع، وتَرَكْنا تبادُرَه‏.‏ فإن مِثْل تلك النِّكَات إنما يجري في القرآن للتيقُّنِ بِحِفْظ‏.‏ أما في الأحاديث فَلِفُشُوِّ الرواية بالمعنى، لا يُؤْمَنُ بِهَا أنه من لَفْظ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم أو لا‏.‏ ولنا أن نعارِض بما في البخاري في عين هذا الحديث‏:‏ «تُوْتِرُ لَهُ ما قد صَلَّى» مكان «أَوْتِر بواحدةٍ»، وهذا أَقْعَدُ على نَظَرِ الحنفية‏.‏ فإنَّ الإيتار فيه على صرافة اللغة فلا بد أَنْ يكون هناك مُوْتِرًا- بالفتح- يُؤتَر بتلك الواحدةِ، وهو مَثْنَى بِنَصِّ الحديث، فخرج أَنَّ الوِتْر ثلاثٌ‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنَّ قوله‏:‏ «أَوْتِر بواحدةٍ» كقولهم‏:‏ أَنتِ واحدةٌ فهي للبينونة‏.‏ وحينئذٍ تكونُ تلك الواحدةُ منفصلةً من المَثْنَى الأخيرة أيضًا، كانفصالها عن سائر المَثْنَوياتِ وذلك بالتسليم، فيثْبُتُ التَّسْلِيْمُ بين الرَّكْعتين والركعة‏.‏

قلتُ‏:‏ أولا في تفتيش لفظ الواحدِ‏:‏ إنه يستعملُ بمعنيين‏:‏ الأول لمفتتح العدد، ويقابله الاثنانِ والثلاثُ، وترجمته «إيك»‏.‏ والثاني بمعنى المنفرد‏.‏ قال التِّبْرِيزي في شرح قول الحماسي‏:‏

فإن قلتُ‏:‏ إنَّ الواحدة مقابلة للمَثْنَى فتكون منفصلة بسلامٍ كانفصالها‏.‏ قلت‏:‏ إن الواحدةَ لو كانت مقابلة للمَثْنَى لكان الكلامُ هكذا‏:‏ صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشِيت الصُّبْحُ فواحدة‏.‏ وحينئذٍ استقامت المقابلةُ بين المَثْنَى والواحدةِ، وانساق إلى الذِّهن أن الأَمْرَ الذي قامت به المَثْنَويةُ قامت به الوحدة أيضًا، وهو السلام، ولكن الشارع عَدَل عنه، وقابل بين المَثْنَى والإِيتار بالواحدة لإفادة التفصِّي شيئًا فشيئًا، وحينئذٍ لا يتم ما راموه‏.‏

ثُمَّ إنَّ مما يَدُلُّك على أن الواحدةَ في مِثْله تتعلَّقُ بالأخيرة، ولا يجِبُ أن يكون حالُهَا مع الأخير كحالها مع ما قَبْلِها ما قال الفرَّاءُ‏:‏ معي عشرةٌ فَأَحِّدْهُنَّ، أي اجعلهن أحدَ عشرَ، أي بزيادةِ واحدةٍ بعد العشرة‏.‏ فدلَّ على تَعَلُّقِهِ بالأخير، وإنْ كان أثَرُهُ على ما قَبْلَه أيضًا‏.‏ ونُقِل أن ثالثَ ثلاثةٍ معناه جَاعِلُ الاثنين ثلاثًا بعد كونه معدودًا فيها‏.‏ وحُكِي عن سيبويه في ثَالِث ثلاثةٍ عشرةَ وجهان‏:‏ بتنوين ثالث، وبدونها، أي مع الإضافة، ولذا ذكر له الرَّضِيُّ معنيين‏:‏ الأول الثالثةَ عشرةَ من ثلاثةَ عشرةَ، والثاني الثالثَ من ثلاثَ عشرةَ ودلَّ الأوّلُ على تعَلُّقِهِ بالأخير- يعني تيره مير سي تيره تير هوان ياتيره مير سي تيسرا- ثُم قال الشافعية‏:‏ معنى قوله‏:‏ «أوْتِر بواحدةٍ» أي مجموع ما صَلَّيْت قَبْلَه، فيكون حالُهَا مع المَثْنى الأخيرة كحالِهَا مع سائر المثنويات، فهي منفصلةٌ بسلام‏.‏ وقلنا‏:‏ بل معناه‏:‏ أَوْتِر بها الشَّفْعَ الأخيرةَ حقيقةً وإن انسحب الحُكْم على ما قَبْلَهِا أيضًا حُكْمَا، على طريق صفة الشيء بحالِ مُتعلَّقِة‏.‏ والحديث يدل مَنْ حاقه على أن الواحدة متعلقة بالمَثْنَى الأخيرة فقط، فالمعنى‏:‏ أوتر بها الشفعَ الأخيرة، فإنَّ قوله صلى الله عليه وسلّم «واجعل آخِرَ صلاتِكَ وترًا» صريحٌ في أنه أُريد بالإيتار المَثْنَى الأخيرة فقط، وهي آخِرَ صلاته‏.‏ وحينئذٍ تكون تلك وترًا حقيقةً، وسائرُ الصلاةِ وترًا على طور وَصْفِ الشيء بحال مُتَعلِّقِه، كيف وأنَّه نَفْسَه قد وصف أوَّل صلاتِهِ بالمَثْنَوية فقال‏:‏ «صلاةُ الليل مَثْنَى مَثْنَى» فهي مَثْنَى حقيقةً فلا تكون وِتْرًا‏.‏ كذلك وإنَّما تَصِحُّ وِتْرِيتُهُ على طريق ما قلنا، فهي شَفْعٌ حقيقةً ووِتْرٌ مجازًا‏.‏ وإذا علمت أن حالَ المَثْنَى الأخيرةَ غيرُ حالِ سائر المثنويات، لم يجب أن يكون حالُهَا في الفصل عَمَّا قبلها كحالِ سائر المثنويات، وجاز أن تكون المثنوياتُ كُلُّهَا مفصولةً بسلام، وتلك موصولة بواحدة‏.‏ وهذا معنى ما رواه ابن أبي شَيْبة- وصححه العِراقي- «صلاةُ المغربِ وِتْرِ صلاةِ النهار، فأوتروا صلاةَ الليل» لم يذهب فيه أحدٌ إلى أن صلاةَ المَغْرب أوترت النهايات كُلَّها‏.‏ بل المعنى أنها خرجت من بينها وِتْرًا بنفسها، وإن اتصفت النارياتُ بالوِتْرية، فعلى طور صِفة الشَّيء بحال متعلَّقِه فليُقَس عليها حالُ الإيتار وظيفة الليل أيضًا‏.‏ فليس معناه أن الواحدة جعلت مجموعَ صلاةِ الليل وِتْرًا‏.‏ فحالها مع المَثْنَى الأخيرة والتي قبلها سواء، بل معناه أنها مع المَثْنَى الأخيرة خرجت وِتْرًا من بين سائر صلاة الليل‏.‏

والحاصل‏:‏ أن النهاريات كما اختتمت بصلاةِ وِتْرٍ كذلك اختموا صلاةَ الليلِ بالوتر، وعلى الوتر- وبعبارةٍ أخرى- إن وِتْر النهار كما لم يكن مقومًا لسائر النهاريات، كذلك وتر الليل ليس مقومًا لسائر ركعات الليل ليكون تَعَلُّقُه بالجميع سواء، بل معناه أن آخِرَ النهاريات صلاةً وِتْرٌ كذلك فلتكن صلاةُ الليل وترًا، لتصير الوظيفتان- أي وظيفة الليل والنهار- على شاكلةٍ واحدة‏.‏ وتتصف الوظيفتان بصفة الوترية فتجلبان معنى الأَحِبَّية، «إن اللَّهَ وِتْرُ يحِبُّ الوِتْر» فكان الإيتار لمعنىً والناسُ حملوه على معنىً‏.‏ فافهم ولا تعجل لتنجلي لك حقيقةُ الحال‏.‏ وإنما تكلمنا عليه الآن بحسَبَ أذواق العربية وإن كان الأَمُرُ يبتني على ما ثبت عنه في الخارج ولا يبنى ولا ينهدم من الألفاظ شيء‏.‏ وقد بقي بَعْدُ خبايا في زوايا الكلام، وفيه كلام أطول من هذا، وليراجع له رسالتي «كَشْف السِّتر في مسألة الوِتْر»‏.‏

991- قوله‏:‏ ‏(‏وعن نَافِع‏:‏ أن عبد الله بنَ عمر كان يُسَلِّم بين الركعةِ والركعتين في الوِتْرِ، حتى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حاجَتِهِ‏)‏ قيل‏:‏ إن «حتى» ههنا بمعنى «كي»، وحينئذٍ لا يَدُلُّ على كَوْنِ التسليم عادةً له، وإنَّما معناه أَنه كان يُسَلِّم عند سُنُوح الحاجة‏.‏ وقيل‏:‏ بل هي للترقي‏.‏ فمعناه أن التسليم كان من عادته، حتى إنه كان يتكلم بين الركعة والركعتين أيضًا، فهو لكمالِ الانفصال‏.‏ وقد استدلَّ صاحبُ «الْمُغْني» على كونها للترقيِّ من قول الشاعر‏:‏

وكان امرؤٌ من جُنْدِ إبليس فارتقى *** به الحالُ حتى صار إبليسُ من جُنْدِهِ

قلتُ‏:‏ ولعل «حتى للتَرَقِّي» هي «حتى العاطفة» للغاية كما في قولهم‏:‏ مرض فلانٌ حتى لا يرجونه، ومات الناسُ حتى الأنبياءُ، ومن جزئياته حتى للتَرَّقي فاخترعوا لها اسمًا على حِدة، وشرطوا لها شرائِطَ، ولذا احتاجوا إلى إثباتها‏.‏ ولو قالوا‏:‏ إنها هي العاطفة، وقد تفيد الترَّقي أيضًا لما احتاجوا إلى تَجَشُّمِ الاستدلال، ولا وجه لإنكارها، وكيفما كان ثبتَ السَّلامُ عن ابن عمر رضي الله عنه في الوسط‏.‏

قلتُ‏:‏ ويَرْوي هذا الحديثَ آخَرُون أيضًا، ومذهبهم أن الوِتْر ثلاثٌ بسلام واحدٍ، فعلم أن الحديثِ ليسَ نصًّا في الفصل، إنما هو اجتهادُهُ ثم إن مذهبَهُ نَقَضَ الوِتْر أيضًا، فهلاّ اختاروه أيضًا مع أنه لم يذهب إليه من الفقهاءِ الأربعةِ أحدٌ‏.‏

وفي قيام الليل ما يدل على أنه كان يفعلُ ذلك من رَأَيه، وليس فيه عنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم شيءٌ‏.‏ وهكذا لم يثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم الكلامُ أيضًا قط، فهو أيضًا من اجتهاده، ثم إِنَّ ظاهر هذا التعبيرِ الكلامُ بعد الركعة قبل الركعتين، ولم يختره الشافعيةُ رحمهم الله تعالى أيضًا‏.‏ وقد يذهبُ وَهْلي إلى أنه يمكن أن يكون كلامُهُ هذا بين الركعة الأخيرة من الوِتْر وركعتي الفَجْر‏.‏ وقد ثبت نَحْوُه عن عائشةَ رضي الله عنها وإن كان الظاهرُ منه ما اختاره الشافعية‏.‏

وليُعْلَم أن الحافظ رحمه الله بعد خَتْم باب التشهد نَبَّه على فائدة، وهي أنهم لم يختلفوا في ألفاظ التشهد الأول إلا ما رُوي في «مصنَّف» عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرى قولَهُ «السلام عليك أيها النبي»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ نَسْخًا للصلاة، ولفظه‏:‏ «وكان ابن عمر رضي الله عنه يرى التسليمَ في التشهد نَسْخَا في الصلاة»‏.‏ وصرَّح نافعٌ أن المرادَ به السلامُ عليك أيّها النبيُّ‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

قلتُ‏:‏ ورأيت هذه الروايةَ بعينها عن سالم، عن ابن عمرَ رضي الله عنه في «مصنِّف» ابن أبي شيبة أيضًا، ثم قال سالم‏:‏ «أما أنا فَأُسلِّم»‏.‏ قلتُ‏:‏ ومن ههنا عُلِم وَجْهُ اجتهادِ ابن عمرَ رضي الله عنه في الكلام بين الركعة والركعتين من الوِتْر‏.‏ فإنَّه إذا كان يرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلّم يسلم في تَشَهّدِه وكان عنده نَسْخَا للصلاة، حَمَله على الفصل وأنه فَرَغ من صلاته‏.‏

ثُمَّ عند مالك في «موطئه» عن ابن عمر رضي الله عنه‏:‏ «أنه كان يقرأ بالسلام في تَشَهُّدهِ في صلاته»، وهذا يُوجِب أن لا تصح صلاتُهُ على الفَرْض المذكور‏.‏ فإنَّه إذا كان التسليمُ عنده نَسْخًا فليزَم أنه كان ينسخُ صلاتَه بالتسليم في التشهد، مع أن اختلافَه لو كان، لكان في ركعات الوِتْر دون سائر الصلوات، فإنَّها متواترةٌ، فما لم يُفَصِّل مَاذَا كَانَ مَذْهَبُه‏؟‏ لا ينبغي التَّمَسُّك بحديثه‏.‏ على أنه قد تبيَّن عندنا مَنْشَؤُه، وهو أن الرواية في النوافل ليست عنده إلا بالمَثْنَى، فَجَعَل الوِتْر أيضًا مَثْنَى وركعةً طردًا للباب، ولا يصِحُّ على طريقنا‏.‏ وقد أوضحناه في تقرير الترمذي أبْسَط من هذا‏.‏

ثم ههنا حديث في «مستدرَك» الحاكم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا‏:‏ أنه كان يتكلم بين الركعتين والركعة من الوِتْر، وهو صَعْبٌ جدًا، وقد كشف اللَّهُ علي سبحانه مرادَه بعد عشر سنين ونَيِّف‏.‏ وصورة الجواب‏:‏ أَن الركعة هي واحدةُ الوِتر، أما الركعتان فهي سُنَّةُ الفَجْر، والمقصودُ منه إثباتُ الكلام بين الوِتْر وسُنَّة الفجر‏.‏ ولما كانت الواحدةُ ثالثةَ الوِتر وذكرتها بالواحدة تَبَادَرَ إلى الذِّهْن أنها ثالثةٌ الوِتْر، والركعتان هما مثناه، مع أن الأمر ما قلنا، والدليلُ عليه ما في «الصحيحين» عنها‏:‏ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان يحدِّثُها بعد الوتر إن كانت مستيقظَةً، ثم يُصلِّي سُنَّةَ الفَجْر وسندُه وسَنَدُ حديث «المستدرَك» واحدٌ، وتمامه في رسالتي «كَشْف السِّتْر»‏.‏

واعلم أن محمد بن نَصْر، ومحمد بن مُنذر، ومحمد بن خْزَيمة، ومحمد بن جَرِير يقال لهم‏:‏ المحمدون الأربعة‏.‏ قيل‏:‏ إنهم كانوا في أوَّلِ أَمْرِهم على مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى، ثُمَّ صاروا مُستقلِّين بالاجتهاد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال القاسِمُ‏:‏ ورأينا أُنَاسَا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوْتِرُون بثلاثٍ، وإنَّ كُلاًّ لَوَاسِعْ، وأرجو أن لا يكونَ بشيءٍ منه بأسٌ‏)‏ وكلام قاسم هذا صريحٌ في علم العامة أنه كان بالثلاثِ، وهو تابعيٌ فقيه‏.‏ وأما رأيه فعلى رأي الحافظ جوازُها بالركعة أيضًا، لأنه حَمَلُهُ على كونِها واحدةً أو ثلاثًا‏.‏

قلتُ‏:‏ ولِمَ لا يجوزْ أن يكون مرادُهُ التعميمَ في الثلاثِ والخَمْس وغيره، بأن تكونَ الركعتان أو أزيد قُبَيل الثلاث، ولا سيما مامر معنا عن الطحاوي من مذهبه في هذا البابَ، فإن كان مذهبُهُ هوالثلاثَ- كما هو ظَاهِرُ لَفْظِ الطحاوي- تَعَيَّن أن التخييرَ منه في الثلاثِ، وفي ما فوقه لا فيما دونَ الثلاثِ، كما فَهِمه الحافظ رحمه الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذلك قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحدُكُمْ خمسينَ آية‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ فهذه السجدةُ في داخل الركعات لا أنها خارج الصلاة بعد الوتر، كما شاع في بعض البلاد‏.‏ وفي «المنية»‏:‏ أنها بِدْعَةٌ‏.‏ وترجم عليها النَّسائي‏.‏ قلتُ‏:‏ وكان المناسبُ أن لا يترجم عليها، لأنها لم يَظْهَر بها العملُ‏.‏ وكذلك فَعَل النسائي في حديث‏:‏ «فأذِّنا فأقَيما» فترجم بتعدد الأذان في السفرِ، ولم يذهب إليه أحدٌ‏.‏ وقد مرَّ الكلام فيه‏.‏

باب‏:‏ سَاعاتِ الوِتْر

والكلُّ ثابت، واستقرت عادتُهُ على الآخِر الليل‏.‏ وعند أبي داود حذر هذا، وقوَّى هذا‏.‏

باب‏:‏ إِيقَاظِ النبي صلى الله عليه وسلّم أَهْلَهُ بِالوِتْر

باب‏:‏ لِيَجْعَل آخِرَ صَلاتِهِ وِتْرًا

دلَّ على تَغَايُرِ الصلاتين قطعًا‏.‏

998- قوله‏:‏ ‏(‏اجْعَلُوا آخِرَ صلاتِكُمْ بالليل وِتْرًا‏)‏ وهذا دليلٌ على أن الوِتْر ثلاثٌ إنْ جعلت «الآخِر» مفعولَه الأول، «والوِتْر» مفعوله الثاني‏.‏ ولو جعلت «الآخِر» ظرفًا «والوِتْر» مفعولَه الأول لم يحصل منه هذا المُرَادُ‏.‏

باب‏:‏ الوِتْرِ عَلَى الدَّابَّة

قال الحافظ‏:‏ ولولا أنَّ البخاري ترجم بهذه لدلَّ على اختيارِه وجوبَ الوِتْر، لأن صنيعَ تراجِمِه يشيرُ إلى الوجوبِ، ولكنه لما جَوَّزَ الوِتْر على الدَّابة عُلِم أنه لم يذهب إليه‏.‏

قلتُ‏:‏ بل هذا الاحتمال قائمٌ بعد، لجواز أن يكون البخاريُّ يختارُ جواز أداءِ الواجب على الدَّابة‏.‏ فإنه لا نصَّ فيه، وهو مختارٌ في مسائله، ولا يلزم من عدمِ اختيار الحنفية والشافعية رحمهم الله تعالى تلك المسألةَ أن لا يختارها البخاريُّ أيضًا‏.‏ أما ابن عمر رضي اللَّهُ عنه فالجوابُ عنه عندي أنه مِمَّنْ لَمْ يكن يُفَرِّق بين الوِتْر وصلاةِ الليل، وكان يُطْلِقُ الوِتْر على المجموع‏.‏ فيمكن أن يكونَ ما ذكره مِنْ وِتْره على الدَّابة هي صلاةَ الليل، وما ذكره عند الطحاوي أنه كان ينزل لها هي وِتْر الحنفية، وبه يَحْصُلُ الْجَمْعُ بين الروايتين‏.‏ وعن ابن عمر رضي الله عنه آثارٌ عديدةٌ في «النزول» عند محمد في «مُوطَّئه»، وفي إسناده محمدُ بنُ أَبَان بن صالح وهو مُتَكلَّم فيه، وباقي الإسناد صحيحٌ‏.‏ وقد ثبت له النزولُ عن غيرِ واحدٍ منهم مع عمرَ رضي الله عنه أيضًا، وهو في «المصنَّف» لابن أبي شَيبة‏.‏ ولفظه‏:‏ «كانوا يَنْزِلُون على الأرْضِ للوِتْر»‏.‏

باب‏:‏ الوِتْرِ في السَّفَر

باب‏:‏ القُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَه

ولم يكن عنده حديثٌ في قنوت الوِتْر، فأخرج قنوتَ النازلةِ إشارةً إلى قنوتِ الوِتْر، وهو عندنا في جميع السَّنة، ولا قنوتَ في الفجر‏.‏ أما عند الشافعي رحمه الله تعالى فهو في الفَجْر في السَّنَة كلِّها، وفي الوتر في آخِر رمضان‏.‏ ثم القُنوتُ الراتبةُ قبل الركوع عندنا‏.‏ وأما قنوتُ النازلة فيجوز قَبْلَه وبعدَه، والظاهر أن الأوْلَى بعده‏.‏

1001- قوله‏:‏ ‏(‏قَنَت بعدَ الرُّكوعِ يسيرًا‏)‏ وهو في قِصة أصحاب بئر مَعُونة حين بعث سبعين نَفَرَا واسْتُشْهد منهم تسعةٌ وستّون، فقنت فيها أربعينَ يومًا، أو شهرًا‏:‏ هكذا شَكَّ فيه الراوي‏.‏

1002- قوله‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ قَبْل الرُّكوعِ أو بَعْدَه‏)‏ ولعل هذا قنوتُ الراتبة وهو في الوتر عندنا، وفي الفجر عند الشافعية رحمهم الله تعالى‏.‏

1002- قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ كَذَبَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وهذا قُنوت النازلة‏.‏ وحاصله‏:‏ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يَقْنُت للنازلةِ إلا شَهْرًا بعد الركوع- قال الحافظ‏:‏ معناه لم يقنت متواليًا- أما الرَّاتِبة فَقَنَتها قبل الركوع‏.‏ وقال النيموي في «آثار السنن»‏:‏ إنها في الوِتْر‏.‏

قلتُ‏:‏ وليس في لفظ الحديث أنها في الوتر، فتكون عندنا في الوِتْر، وعند الشافعية رحمهم الله تعالى في الفجر‏.‏

1002- قوله‏:‏ ‏(‏إلى قومٍ مُشْرِكينَ دونَ أُولئك‏)‏ يعني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يكن بَعَثَ هؤلاء إلى أولئك الذين عَدُروا، لأنه كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلّم معاهدةٌ، وإنما كان بَعَثَهم إلى قومٍ مشركين، ولكنْ غَدَرَ أولئك‏.‏

1004- قوله‏:‏ ‏(‏عن أنسٍ قال‏:‏ كان القُنوت في المَغْرِب والفَجْر‏)‏ قال أحمد‏:‏ إن القنوتَ في الْمَغْرِب نادرٌ‏.‏ قلتُ‏:‏ وذلك لكون الركعة الأخيرة فيها سرًا، فإن يَقْنُت فيها يقنت جهرًا، والجهر في السرية غيرُ معروفٍ، وإنْ أسرَّ به يبقى القوم غافلين لا يدرون ما يفعلُ إمامُهُم‏.‏ ثم لم يَكْتُب أحدٌ منهم أنه كيف قَنَت في السِّريَّة‏.‏ ولعلَّه قرأه حهرًا‏.‏ وأما في رمضان في الوِتْر فلما كان بعد الجهر يَعْلَمُ القومُ أَنه قانتٌ فيقنتون لأنفُسِهم أيضًا‏.‏

كتاب‏:‏ الاسْتِسْقَاء

باب‏:‏ الاسْتِسْقَاءِ، وَخُرُوجِ النبي صلى الله عليه وسلّم في الاسْتِسْقَاء

قال صاحب «الهداية»‏:‏ الاستسقاءُ عندنا دعاءٌ واستغفار‏.‏ فتوهمَّ منه بعضٌ نَفْيَ الصلاةِ رأسًا، مع أنه قال بُعَيْده‏:‏ «قلنا‏:‏ إنه فَعَله مرةً وترَكه أخرى فلم يكن سنةً»، فخرج أنه أنكر السُّنية دونَ الجواز‏.‏

وقد حققه المحقق ابنُ أمير الحاج وبسطه جدًا‏.‏

قلتُ‏:‏ والسرُّ فيه أن الاستسقاء على أنحاء‏:‏ بِرَفْع الأَيدي في عامَّة الأحوال، ودُبُر الصلوات، وفي المُصَلَّى، وفيه التفاصيل والخلاف‏.‏ ويُشترط له الإمامُ الأكبر فَحُكْمِ الإمام على المجموع، فلم يَسَع له الحُكْمُ بالسُّنية‏.‏ وأفرز الشافعي رحمه الله تعالى الثالث فقط، فوَسِعِ ذلك، ونظيره الوِتْر على ما مَرَّ‏.‏ فمن حَكَم على المجموعِ حَكَم عليه بالسُّنية، ومن أفرز القِطعةَ الأخيرةَ منه حَكَم بالوجوب، ونحوه الجماعة فَمَنْ حَكَمْ على مجموع ما وردَ فيها من الأَوامر وأَعْذَار الترك حَكَم بالسُّنية، ومن نظر إلى الأَوامر فقط حَكَم بالوجوب‏.‏ وقد مرَّ تقريره‏.‏

ويقرأ فيها سرًا، ولا تُسنُّ الخطبة، ولصاحبيه خلافٌ فيهما، والعمل على مَذْهب الصاحبين‏.‏ ويستحبُ تحويلُ الرِّدَاء للإمام عندنا دون القوم كما في «فتح القدير»‏.‏ والنفي في المتون محمولٌ على نَفْي الوجوب‏.‏ راجع تفصيله في شَرْحِ «المِنية» لابن أمير الحاج‏.‏

ونقل الشيخ شمس الدين السَّرُوجي عن العلامة القاسم بن قُطْلُوبغا سأَلَ شَيْخَه ابنَ الهُمَام عن إسناد هذا الحديث‏.‏ فكتب أنه أخذه من «إتحاف الخيرة بزوائد المسانيد العشرة» للبُوَصَيْري، وقد جمع فيه البوصيري عشرة مسانيد‏.‏ ثُمَّ كتب الشيخ أن البُوصَيْري ذكر فيه أنه لما سرد هذا الإسناد عند الحافظ رحمه الله تعالى فلم يُتِمَّه‏.‏ حتى أن الحافظ رحمه الله تعالى تَبَسَّم وقال‏:‏ وفيه رائحة حديث «مَنْ كان له إمام»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ فتعجب مِنْ فَرْط ذكائه‏.‏ ثم قال البُوصيري‏:‏ فعلمت من تبسُّمه أنه ليس براضٍ عنه غير أنه لم يردَّه صراحةً أيضًا‏.‏

وليس هذا تخصيصًا بل بابٌ مستقلٌّ ومسألة زائدةٌ في حقِّ المقتدي، كحديث‏:‏ «البِكْر تُسْتأذنُ في نفسها وإِذْنُها صِمَاتُهَا»‏.‏ فليس قوله‏:‏ وإِذْنُها صِمَاتُها» تخصيصًا بل وضعًا مستقلا‏.‏ وعلى هذا فإيجابُ القراءةِ على المقتدي من العمومات، كاشتراط الإِذْن باللسان على البِكْر‏.‏

ومعلوم أن الشريعةَ إذا أقامت لها بابًا مستقلا وأَفرزتها من الحُكْم العام، فليس لأحد أن يُجْرِها تحت العموم ويجري علهيا أحكامَها‏.‏ فهكذا لَمَّا علمنا أن الشريعةَ نصبت لأحكام الائتمام بابًا مستقلا، ولغير الائتمام بابًا أيضًا‏.‏ فَنَقْلُ أحاديثِ أحدِ البابين إلى الآخر إلغاءٌ لِغَرَضِها‏.‏ فراجع أحاديث الائتمام‏:‏ لم يأمر في واحدٍ منها المقتدي أن يقرأ مع إمامه، ولم يقل‏:‏ وإذا قرأ فاقرؤوا، مع أنه مرَّ فيها على جملةِ أفعالِ الصلاة تقريبًا، فترك هذا الرُّكْن الذي قد سبق على سائر الأركان، وصار مدارًا لصحة الصلاة، وسِمَّةً لأهل الحديث مستعبدٌ جدًا، بل صحَّ فيها جملة‏:‏ «إذا قرأ فأَنْصِتُوا» صحَّحه مسلم، وجمهور المالكية، والحنابلة‏.‏ ولم يتأخَّر عن تصحيحه إلا مَنِ اختار القراءة خلفَ الإمام، فسرى فِقْهُه إلى الحديث‏.‏

ثم اعرف الفرق بينَ سياقِ الاستثناء عن صريح النهي كما في قوله‏:‏ «فلا تفعلوا إلا بأم القرآن»، وبينَ استثناءِ الفاتحة عن أمر الإنصات، أي أَنصتوا إلا بالفاتحة، ولم يَرِد في طريق‏.‏ فجاء الشافعية وحملوا السياق الأوَّل على الثاني، مع أنه وَرَد في الحديث‏:‏ «إذا قرأ فأنصتوا» ثم لم يَرِد فيه الاستثناء بالفاتحة‏.‏ فدلَّ على أن الفاتحة وغيرَها في أَمْر الإنصات سواءٌ‏.‏

والحاصل‏:‏ أن لنا في هذه المسألةِ دلالاتٍ من الأحاديث، ونصَّا من القرآن‏:‏ ‏{‏إذا قُرىء القرآنُ فاسْتَمِعُوا له وأَنْصِتُوا‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 204‏)‏ وليس عندهم لإيجابِ القراءة في الجهرية والسرية على المقتدي شيءٌ، إلا جَهْرهم بالمبالغات‏.‏ ثم إنه صحت في هذا الحديثِ زيادة «فصاعدًا» أو ما قام مقامَها نحو‏:‏ ما تيسر، وما زاد، وحينئذٍ يكون معناه انتفاءَ الصلاة بانتفاء الفاتحة مع عناية «فصاعدًا»‏.‏ وحاصِلُهُ انتفاءُ الصلاة بانتفاءِ القراءةِ مطلقًا‏.‏ فلا يصلُح هذا الحديثُ أن يقومَ حجةً على مسألة الرُّكْنِيةِ أَصْلا، لدلالتها على انتفاءِ الصلاةِ بانتفاء القراءة، وقد قلنا به أيضًا‏.‏ وإنما الكلامُ في انتفاء الصلاةِ بانتفاء الفاتحة خاصة، ولم يدلَّ عليه أصلا، بل متى ما تنظر في الأحاديث ترى أنَّها جعلتِ الصلاةَ عند انتفاءِ القراءةِ بالفاتحة خِدَاجًا لا منفية عن أصلها، كحديث أبي هريرة عند مسلم «مَنْ صَلَّى صلاةً ولم يقرأ فيها بأمِّ القرآنِ فهي خِدَاجٌ»‏.‏

باب‏:‏ دُعاءِ النبي صلى الله عليه وسلّم «اجْعَلهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ»

1006- قوله‏:‏ ‏(‏اجعلها سِنينَ كَسِنِي يوسفَ عليه السَّلام‏)‏‏.‏ وهذا ضدُّ الاستسقاء، وهو دعاءُ القَحْط، فظهرت المناسبة‏.‏ وفي إسناد عبد الرحمن بن أبي الزِّنَاد‏.‏ وهذا هو الراوي في إسناد الطَّحَاويِّ في فَتْوى الفقهاء السبعة‏:‏ على كونِ الوتر ثلاثًا لا يُسَلِّم إلا في آخِرِهِنَّ‏.‏

1006- قوله‏:‏ ‏(‏هذا كلُّه في الصُّبْح‏)‏ أي مع الجهر، كما سيجيءُ في التفسيرِ‏.‏

1007- قوله‏:‏ ‏(‏إدبارًا‏)‏ ‏(‏روكردانى‏)‏‏.‏

1007- قوله‏:‏ ‏(‏الدُّخان‏)‏ ‏(‏ذهند‏)‏‏.‏

1007- قوله‏:‏ ‏(‏فقال‏:‏ يا محمَّدُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ لأنه كان مُسْتَجَابَ الدعوات فيما بينهم أيضًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد مضت الدخان‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏إلخ والمرادُ من الدُّخَان عند الجمهور ما هو من أشراط الساعة، وبعدها الساعة بمئة سَنة فخرج الجوابُ عن الآية التي أوردها ابنُ مسعود رضي الله عنه‏.‏ وهي‏:‏ ‏{‏أَنَّكُمْ عائدُون‏}‏ ‏(‏الدخان‏:‏ 15‏)‏‏.‏ نعم لو قامت الساعة بعد الدُّخَان بدون فاصلة لَوَرَدَتْ الآيةُ على الجمهورِ‏.‏

فائدة‏:‏

واعلم أنه إذا تَعَارَض العمومان القطعيَّان في جزئي ولا يُدْرَى أنه يَدْخُل في أيِّ العمومين، يتردَّد فيه النظر‏.‏ ومن ههنا اندفع ما عُرِضَ للمعتزلةِ في القول‏:‏ بالمنزلةِ بين المنزلتين‏.‏ فإنهم جَعَلُوا ارتكابَ المعصية نَقْصًا في إذعانه، وقد مرَّ تفصيله في كتاب الإيمان‏.‏

باب‏:‏ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمامَ الاسْتِسْقَاء إِذَا قُحِطُوا

وَأَبْيضُ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالُ اليَتَامى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

باب‏:‏ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ في الاسْتِسْقَاء

1010- قوله‏:‏ ‏(‏اللهُمَّ أَنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إليك بِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلّم ليس فيه التوصُّلُ المعهودُ الذي يكون بالغائب حتى قد لايكون به شعورٌ أصلا، بل فيه توسُّلُ السَّلف، وهو أن يُقَدِّم رجلا وذا وجاهةٍ عند الله تعالى ويأمرَه أن يدعو لهم، ثم يحيل عليه في دعائه، كما فُعل بالعبَّاس رضي الله عنه عَمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ولو كان فيه توسُّلُ المتأخرين لما احتاجوا إلى إِذْهَاب العبّاس رضي الله عنه معهم، ولكفى لهم التوسُّل بنبيهم بعد وفاتِه أيضًا، أو بالعباس رضي الله عنه مع عدمِ شهوده معهم‏.‏

وهذا النحو جائزٌ عند المتأخرين وَمَنَع منه الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى وإني متردِّدُ فيه، لأنه أَتى بعبارةٍ عن الإِمام من «تجريد القُدوري» أن الإقسام على اللهِ بغير أسمائه لا يجوزُ، فتمسَّك بنفي الإِقسام على نفي التوسل‏.‏ فإن كان التوسُّل إقْسَامًا فالمسألة فيه كما ذهب إليها ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإن لم يكن إقْسامًا يبقى جائزًا‏.‏ وأما التمسُّك بقوله صلى الله عليه وسلّم «إنَّما تُرْزَقُون بِضُعفائِكم»، فليس بناهضٍ، لأنه ليس على التوسل، بل معناه أن الله تعالى يرزُقُكم برعايةِ الضعفاءِ، والرعاية لكونهم فيكم لا للتوسل اللساني فقط‏:‏ اللهم ارزقنا بوسيلةِ فلان‏.‏

وصِفَةُ استسقاءِ العباس، ما أخرجه الحافظ رحمه الله تعالى‏:‏ «اللهم لم يَنْزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولم يُكْشف إلا بتوبةٍ، وقد توجَّه القومُ بي إليك لمكاني من نَبِيِّك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغَيْثَ» اه‏.‏

باب‏:‏ الاسْتِسْقَاءِ في المَسْجِدِ الجَامِع

قوله‏:‏ ‏(‏والانتهاك‏)‏ من النَّهْك وهو التذليل‏.‏ وفي التصريف‏:‏ أَنَّ كلَّ كلمةٍ تكون فاؤها نونًا لا يأتي منها الافتعال‏.‏

1013- قوله‏:‏ ‏(‏وانقطعتِ السُّبُلُ‏)‏ لأن المواشي إذا هَلَكَتْ انقطع السَّفَر‏.‏

1013- قوله‏:‏ ‏(‏آكَام‏)‏ ‏(‏هيله‏)‏ ظِراب ‏(‏وه هيله جولمبا جلا كيا هو‏)‏ أودية ‏(‏جو كهرى جكه هو‏)‏‏.‏

باب‏:‏ الاسْتِسْقَاءِ في خُطْبَةِ الجُمُعَةِ غَيرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَة

باب‏:‏ الاسْتِسْقَاءِ عَلَى المِنْبَر

باب‏:‏ مَنِ اكْتَفَى بِصَلاةِ الجُمُعَةِ فِي الاسْتِسْقَاء

1014- قوله‏:‏ ‏(‏مِنْ بابٍ كان نحوَ دارِ القَضَاءِ‏)‏ وهذا تعريف بأمرٍ في زمنِ الرَّاوي، وإنما سُمِّي دار القضاء، لأن عمر رضي الله عنه كان أَوْصَى ابنه أن يؤدى دَيْنه بِبَيْع مالِه، فكانت تلك الدارُ بيعت لقضاءِ دَيْنه، ومنه سُمِّيت دارَ القضاءَ، لا مِنْ قضاء القاضي‏.‏

باب‏:‏ الدُّعاءِ إِذَا تَقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ المَطَر

يعني أن المطرَ رَحْمةٌ، فهل يدعو لإِمْساكِه‏؟‏

باب‏:‏ ما قِيلَ‏:‏ إِنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لَمْ يُحَوِّل رِدَاءَهُ في الاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الجُمُعَة

باب‏:‏ إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدَّهُم

يعني أن التحويل يكون بالمُصَلَّى وهو الاستسقاء الكامل، أما ههنا فإنه كان في الخطبة فلم يستقبل القِبلة أيضًا، فأين يكون للتحويل‏؟‏

باب‏:‏ إِذَا اسْتَشْفَعَ المُشْرِكُونَ بِالمُسْلِمِينَ عِنْدَ القَحْط

باب‏:‏ الدُّعاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ‏:‏ حَوَالَينَا وَلا عَلَينَا

واعلم أن الحديث يَتَضَمَّن قِطْعتين‏:‏ فَقِصَّة قريش في مكة، وأما ما يذكُرُه بعد قوله‏:‏ «وَزَادَ أَسْبَاطٌ» فقصَّتُه بالمدينة‏.‏ قال الدِّمياطي‏:‏ إن هذا الخلط من جانب المصنِّف رحمه الله تعالى، فإنه لو كان في متن حديث واحدٌ لحملناه على أنه من أحَدِ رواته، ولكنَّ المصنف رحمه الله تعالى زاد ههنا قطعةً من عندِ نَفْسه، مع أنه لا حاجةَ إليها، وهي قوله‏:‏ «وزاد أَسْبَاطٌ»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فإذن هو من جانب المصنِّفِ رحمه الله تعالى‏.‏ وتَصَدَّى الحافظ رحمه الله تعالى لجوابه، وحَمَلَه على تعدد الواقعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانحدرت السحابة‏)‏ ‏(‏بادل أتركيا‏)‏‏.‏

باب‏:‏ الدُّعاءِ في الاسْتِسْقَاءِ قائِمًا

باب‏:‏ الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ في الاسْتِسْقَاء

باب‏:‏ كَيفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم ظَهْرَهُ إِلَى النَّاس

باب‏:‏ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَين

باب‏:‏ الاسْتِسْقَاءِ في المُصَلَّى

باب‏:‏ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ في الاسْتِسْقَاء

باب‏:‏ رَفعِ النَّاسِ أَيدِيَهُمْ مَعَ الإِمامِ في الاسْتِسْقَاء

هكذا ينبغي مع قعودِ القوم، وقد رأيتُ قيامَ بَعْضِ الصالحين منهم أيضًا‏.‏

1022- فَقَامَ بهم على رِجْلَيه على غَيْرِ مِنْبَرِ وعند أبي داود‏:‏ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أَمَرَ مرةً بإخراج المِنْبَر أيضًا‏.‏ ثم اعلم أن التحويلَ في الوسط، وقد ذكره بعضُ الرواةِ مؤخَّرًا‏.‏ فتنبَّه فإنّه مِنْ تصرفاتِ الرواة‏.‏

1029- قوله‏:‏ ‏(‏بِشَقَ المُسَافِرُ‏)‏ وذكره في «القاموس» من إحالة البخاري‏.‏ وقيل هو من البَاشِقُ، قِسْمٌ من البازي‏.‏ ومعناه مَشَى كالبَاشِق، أي لم يستطع أن يقطع السبيل‏.‏ فإنَّ الباشِقَ لاعوجاج مَخَالِبِهِ لا يستطيعُ المَشْي‏.‏

باب‏:‏ رَفعِ الإِمامِ يَدَهُ فِي الاسْتِسْقَاء

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لا يَرْفَعُ يَدَيْه في شيءٍ من دعائه إلا في الاستسقاء‏.‏ وفي «مراسيل» أبي داود‏:‏ أنه كان لا يَرْفَعُهُما كلَّ الرفع إلا في الاستسقاء، فَعُلِم أنَّ المرادَ منه المبالغةُ في الرَّفْع البليغ‏.‏ وَمَنْ تَوهمَّ منه على نَفْي رَفعْ الأيدي في غيره فقد أَبْعَدَ عن الصواب‏.‏ وقد أخرج الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى نحوًا من ثلاثينَ حديثًا على ثبوت الرَّفْع عند الدعاء‏.‏ فهذا التوهم غَلَطٌ قطعًا‏.‏ ثُمَّ هذا الرَّفْع البليغ في الاستسقاء على نظير ما عند أبي داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه من تقسيم الأدعية، وفيه دعاءُ ابتهال، ويبالغ فيه بالرَّفْع‏.‏

باب‏:‏ ما يُقَالُ إِذَا أَمْطَرَت

باب‏:‏ مَنْ تَمَطَّرَ في المَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِه

وعند مسلم أنه كان يقول‏:‏ حديث عهدٍ بربِّه‏.‏ يعني به أنه لم يتلوَّث بعد بالأدناس البشرية‏.‏ وفي «الأدب المُفْرَد» للبخاري أنه كان يضع أوَّل الثمرة على عينيه‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وذلك أيضًا لهذا المعنى‏.‏ وعند الترمذي أنه كان يُعْطيه أصغرَ ولد عنده‏.‏

باب‏:‏ إِذَا هَبَّتِ الرِّيح

هكذا فعل الفقهاء فذكروا الصلواتِ عند الفزع في الملحقات‏.‏

1034- قوله‏:‏ ‏(‏عُرِف ذلك في وَجه النبيِّ‏)‏ ولا تدخل فيه مسألة خُلْف الوعيد، بل هو باب آخَر‏.‏ فإن وَعْد الله لآتٍ البتة، لا يُدْرى التفاصيل فيه، والشرائط له، والموانع عنه، فيحدث التردد للمتذلل الخاشع‏.‏ ومَنْ لا نظر له إلى جَناب الكبرياء فإن لا يزال جالسًا مطمئنًا على أريكته، ولا يَحْسَبُ العذَابَ إلا عارِضًا ممطرًا‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «نُصِرْتُ بالصَّبَا»

لما ذكر الرِّيح دخل في تَقْسِيمها أيضًا‏.‏

1035- قوله‏:‏ ‏(‏الصِّبَا‏)‏ ‏(‏بروا‏)‏ دَبُور ‏(‏بجهوا‏)‏، والنُّصْرَةُ بالصِّبَا إشارةٌ إلى غزوة الأَحزاب‏.‏

باب‏:‏ ما قِيلَ في الزَّلازِلِ وَالآيات

1036- قوله‏:‏ ‏(‏ويتقارَبُ الزَّمانُ‏)‏ قيل‏:‏ المرادُ به عدمُ البركة في الأيام‏.‏ وقيل‏:‏ قُرْب القيامة وزمان الساعةِ‏.‏

1036- قوله‏:‏ ‏(‏الْهَرْج‏)‏ ‏(‏كربر‏)‏ ‏(‏نَجْد‏)‏ وهي العمرانات في شَرْق الحجاز، وكان فيه الكُفَّارُ الغِلاظ‏.‏ ثُمَّ إنَّ ربيعةَ ومُضَر أَخَوَان‏.‏ وكان في ربيعة ناسٌ هيِّنون ليِّنون، وكان وَفْد عبد القيس منهم بخلاف مُضَر، فإنهم كانوا أشداءَ ومنهم قُرَيش‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ‏}‏‏(‏الواقعة‏:‏ 82‏)‏

باب‏:‏ لا يَدْرِي مَتَى يَجيءُ المَطَرُ إِلا اللَّه

وقد مرَّ تحقيقُ الجَعْل مرارًا، أي تجعلون نصيبَكُم الكذاب أنتم‏.‏

كتاب‏:‏ الكُسُوف

باب‏:‏ الصَّلاةِ في كُسُوفِ الشَّمْس

واعلم أنه لم تنكسفِ الشَّمْس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلا مرةً، كما حققه المحمود شاه الفرنساوي في كتابه «إفادة الإفهام في تقويم الزمان»‏.‏ والروايات في تَعَدُّدِ الرَّكعاتِ بلغت إلى سِتة ركوعاتِ في ركعتين، كما في «تهذيب الآثار» للطبري‏.‏

والأرجح عندي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم ركع ركوعين في بكعةٍ، والباقي أَوهام‏.‏ كانت فتاوى الصحابة فاختلطت بالمرفوع، وإذن لا أتمسك من رواياتٍ وَرَد فيها ركوعٌ واحِدٌ بل أحمِلُهَا على الاختصار، نعم ثَبَت عن الحصابة رضي الله تعالى عنهم أَزْيَدُ من الركوعين أيضًا، لأنهم حملوا الزيادةَ على ركوعٍ على التخيير، فجوَّزُوها إلى ثلاثةٍ وأربعةٍ حتى تنجلي الشمس‏.‏

ولنا حديث قولي عند أبي داود وقد مَرَّ تقريرُهُ ولنا أيضًا ما أخرجه الطحاوي عن المغيرةَ ابن شُعْبة‏:‏ أن الشمسَ انكَسَفَت في عهده، فلم يُصَلِّ لها إلا برُكُوْعٍ واحدٍ‏.‏ مع أنه قد أَدْرَكَ صلاتَه صلى الله عليه وسلّم في الكسوف وراواها‏.‏ والذي يظهَرُ أن تلك الصلاةَ من جزئياتِ ما عند الحاكم‏:‏ «إذا حَزَبه أمرٌ بادر إلى الصلاة»‏.‏ والكسوف أيضًا أمرٌ عظيم، فينبغي فيه أيضًا المبادرة إليها، فتكون السُّنة فيها على الشاكلة المعهودة‏.‏

أما النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فإنه وإنْ ركع ركوعين لكنَّه لم يعلمنا إلا أن نأتي بها كأَحْدَثِ صلاةٍ صلاها، وفيها ركوعٌ واحد، فتعَدُّدُ الرُّكوعِ مخصوصٌ به صلى الله عليه وسلّم

بقي نُكْتةُ تعدُّد ركوعهِ صلى الله عليه وسلّم فنقول أولا‏:‏ إنه ليس بلازمٍ علينا وإن كان لا بدَّ منها، فقد ذكر مولانا شيخُ الهند رحمه الله تعالى أن تعدُّدَه كتعدُّدِ السجود في الصلاة عند تلاوة آيةِ سجدة، فكما تعدَّدت السجدةُ لداعية كذلك يجوزُ أن يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ركع رُكوعين، لأنه شاهَد فيها ما لم يكن يشاهدُ في عامَّة الصلوات، والسجودُ عند ظهور آيةٍ معروفٌ عند الشَّرْع، ثُمَّ رَأَيْتُ مِثْله عن عبد الله البَلْخي في «البدائع»‏.‏ وذكرته لشيخي فَسُرَّ به جدًا‏.‏

ثم لهذا الركوع نظائرُ منها عند الترمذي ‏(‏2269‏)‏ من سجود ابن عباس رضي الله تعالى عنه عِنْدَ سَمَاع خَبَرِ وفاةِ ميمونةَ رضي الله تعالى عنها، ومنها ما في السِّيَر من هيئة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم شبه الرَّاكع حين دَخَل مَكَّة، ومنها هيئتُهُ حينَ مَرَّ من ديار ثمود، ومنها ما في أثر أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين رأى نُغَاشيًا فركع عند رؤيته، كل ذلك سجودٌ أو ركوعٌ عند الآيات‏.‏ وما قالوا إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان ركع فيه ركوعًا طويلا، وكان الصحابةُ يرفعون رؤوسَهُم يرون أنه هل قام منه أم لا‏؟‏ فتوهمَّ المتأخرون منهم تَعدُّدَ الركوع، فإنه ركيكٌ عندي وإن كان أصلُهُ في «المبسوط» للسَّرَخْسِي‏.‏

1040- قوله‏:‏ ‏(‏فَصلَّى بِنَا رَكْعتَيْن‏)‏ فلم يُخرِّج البخاري أول إلا ما لم يكن فيه تعدُّدُ الركوع‏.‏ وأَقرَّ الحافظ رحمه الله تعالى أنه أشار إلى جوازِ الاكتفاء بركوعٍ واحدٍ وإن كان الكمالُ في الرُّكوعَيْن‏.‏ وَوَجْه الاستدلال منه أنه حَمَل الصلاةَ على الصلاة المُطْلقة وليس فيها إلا ركوعٌ واحدٌ‏.‏ وحيئنذٍ قَوِي تَمَسُّكُ الحنفيةِ بِما عند أبي داود، فإنه على نَحْو تَمَسُّك الإمام، لأنا نَحْمِل قوله‏:‏ «فَصَلُّوها كأَحدثِ صلاةٍ صَلَّيْتُمُوها»‏.‏‏.‏‏.‏إلخ أي صلاةِ الفَجْر وفيها ركوعٌ واحد‏.‏ ولو كان التَّشبيه في العدد فقط، لناسب أن يُحِيل على صلاةٍ صَلاها في الكُسوف، فَتَرْكُ الأَقْرَبِ والإِحالةُ على الأَبعد دليلٌ على أنه أَرادَ به وَحْدَة الرُّكوع أيضًا‏.‏

أما الخُطبة فإنها ليست من السُّنَّةِ عندنا، وهي من سُنَّة الصلاةِ عند أبي يوسف رحمه الله تعالى وأما خُطبة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عندنا فكانت لأجْلِ الحاجة‏.‏ وراجع لأدلة الحنفية «شَرْحَ العيني»، والطحاوي و«الجَوْهر النَّقِي»‏.‏

باب‏:‏ الصَّدَقَةِ في الكُسُوف

وأخرج فيه أحاديث تدل على تَعَدُّدِ الركوع‏.‏ وأما قبل ذلك فقد أخرج أربعةَ أحاديثَ ولم يخرِّج في واحدٍ منها تَعَدُّدَ الركوع كما هو نَظَر الحنفية‏.‏

ثم إن الشافعيةَ رحمهم الله تعالى إذْ ذهبوا إلى تعدُّدِ الركوع اختلفوا اختلافًا شديدًا في أنه‏:‏ هل يأتي بالفاتحةِ في القيام الثاني أم لا‏؟‏ وما ذلك إلا لِحُبِّهِم بإيجابها على كل مُصَلِّ في كل حالٍ مع أن الوَجْه فيه عندي أنه تُجْزِئه للقيامِ الواحد، لا أنهما قِيامان‏.‏ فلا أرى ما يُثْبِت في الأحاديث أنه قرأ بالفاتحة والسوة في القيام الثاني أيضًا، كما قاله الشافعية رحمهم الله تعالى‏.‏ والله أعلم بالصواب‏.‏ ويدلُّ عليه ما قالوا كما عند الترمذي أنه إذا يَرْفَعُ عن الركوعِ الأوَّلِ يرفعُ بتكبيرٍ، حتى إذا كان في آخِر ركوعٍ من تلك الركعة يَرْفَعُ بالتسميع، فدلَّ على أن الركوع الأصلي هو هذا، والباقي كان عارضًا، ولذا لم يكن فيه إلا التَّكْبيرُ مع أنَّ المعهودَ فيه التسميعُ‏.‏

باب‏:‏ النِّدَاءِ بِ- «الصَّلاةَ جَامِعَةً» في الكُسُوف

ذهب الشافعي رحمه الله تعالى إلى أَنْ يُنَادَى بِمْثلهِ في العيدين أيضًا‏.‏ ثم أن الصلاةَ بالنصب منصوبٌ على الإغراء، وجامعةً حال، ومعناه أنه لا يكون فيها جماعاتٌ، بل تكون جماعةً جامِعةً للجَمَاعاتِ، ‏(‏نمازايني ايني مسجد مين مت يئر هو بلكه ايك جماعت هوكى‏)‏ وهو مأخوذٌ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا كانوا في أَمْرٍ جَامِعٍ‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 62‏)‏، ومنه أُخِذ المِصْر الجامع، ثم تلقتْهُ الأُمةُ وقالوا المسجد الجامع‏.‏

باب‏:‏ خُطْبَةِ الإِمامِ في الكُسُوف

باب‏:‏ هَل يَقُولُ‏:‏ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَت

1046- قوله‏:‏ ‏(‏فاقْتَرَأَ‏)‏ الافتعالُ للمبالغة، يعني قَرَأَ قراءةً طويلةً‏.‏

1046- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُد‏)‏ والمتبادَر أنه قطعةٌ من القيام الأوَّل فلا تكونُ القراءةُ فيه‏.‏

1046- قوله‏:‏ ‏(‏فقلتُ لِعُرْوَة‏:‏ إنَّ أخاكَ يومَ خَسَفَت بالمدينةِ، لَمْ يَزِد على رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ‏؟‏1 قال‏:‏ أَجَل، لأنه أخطأ السُّنَّة‏)‏ يعني قلتُ لعروةَ بن الزبير‏:‏ إن أخاكَ الكبيرَ عبدَ الله بنَ الزُّبير صَلَّى بالناسِ في المدينة صلاةَ الكُسُوف كالصُّبح بركوعٍ واحدٍ ولم يزد عليه، فقال له عروةُ‏:‏ إنَّه أخطأ السّنة‏.‏

قال العَيْنِي‏:‏ كيف وعبد الله بن الزبير كان خليفةً إذ ذاك، وقد صَلَّى خَلْفَه كثيرٌ من الصحابة رضي الله تعالى عنهم‏؟‏ فإن كان أخطأ السُّنة هو فهل أخطؤا كُلُّهم وصلُّوا خِلاف السُّنة ولم يتكلم أحدٌ منهم بِحَرْف‏؟‏ أقول‏:‏ ولعل لفظ‏:‏ «مِثْلَ الصُّبْح» مأخوذٌ مِنْ لَفْظ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم عند أبي داود‏:‏ «كَأَحدثِ صلاةٍ صَلَّيْتُمُوها»‏.‏

وحينئذٍ ثَبَتَ وحدةُ الرُّكوع من رواية البخاري أيضًا، وَحَصَل تفسيرُ ما عند أبي داود من التشبيه، أَنَّه في وَحْدةِ الرُّكوع لا في تعدُّد الركعتين‏.‏ فإنه لم يَثْبُت عنه في لفظٍ‏:‏ أنْ صَلُّوا كصلاتي هذه، بل أتى فيه إما بالأمر بالصلاةِ المُطْلَقَةِ، أو بالتشبيه بصلاة الصبح‏.‏ وفيه إيماءٌ إلى ما قلنا وتَشْييدُ ما ذهبنا‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالكُسُوفِ»

قوله‏:‏ ‏(‏إيتانِ مِنْ آياتِ اللَّهِ‏)‏ فإن قلت‏:‏ إنَّ الكُسوفَ والخُسوفَ من أسبابٍ معلومةٍ، وحسابٍ معلوم لا تخويفَ فيهما أصلا، فما معنى كونهما آيتينِ‏؟‏

قلتُ‏:‏ هو في غاية الجهل، فإنَّ الأشياءِ كلَّها بالأسباب‏.‏ وحينئذٍ حاصلُهُ أن لا يتعلق التخويفُ بشيءٍ، ولكن ينبغي للمُعْتَبرِ المُتَبَصِّرِ أن يَعْتَبِرَ بتصرُّف الرياح، وتَقَلُّبِ الليل والنهار، وجريان الفُلْك في البحار، وقيامِ السماء بدونِ عَمَدٍ تَرَوْنَها، بلى إنَّ في ذلك لآياتٍ لأُولي الأبصار وينبغي للخائف الخاشع أن يخشى عند كلِّ حادثةٍ تَحْدُث على خلاف الأصول العامّة، ولا يبحث عن قاعدتِهِ وإن كانت داخلةً تحت أصلٍ في نَفْس الأمر لا محالة، وذلك لأنَّ اللَّهَ فَعَّالٌ لما يريد، فسلسلةُ الأسبابِ كلّها مقهورةٌ تحت الإرادة، فهو اللَّهُ سبحانه إن شاء جعل عليكم الليل سَرْمدًا إلي يوم القيامة، مَنْ إلهٌ غيرُ الله يأتيم بضياءٍ أفلا تَسْمَعون، بل فاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تخشاه‏.‏

ثم اعلم أنَّ القرآنَ ربما لا يتعرضُ إلى أسباب الأشياء في نفس الأمر ما هي‏؟‏ وكيف هي‏؟‏ ويمشي على الظاهر فقط، لأنها تحتاجُ إلى ممارسةِ علم ومزوالةِ فنونٍ، ثُم فكر بعد فكر، وبعد ذلك أيضًا يجري فيها اختلافُ الآراء وفَحْصُ العلماء، فلَوْ بَحَث القرآنُ عنها لربما اختل طريقُ الهداية، ولم يَبْق فيه حَظُّ للعَوام، فإنَّ الإنسان فُطِر على الاعتماد على تحقيقه فيما أمكن التحقُّق منه‏.‏ بل فيما لا يمكن أيضًا، فلو بنى القرآنُ كلامَه على حركةِ الأرض مَثلا لكذَّبته فِرَقٌ من الناس الذين يعتقدون بِحرَكَةِ الفُلْك‏.‏

وقد وقع مِثْله حيثُ جَرَت عليه المناهضةُ إلى مئتي سنة ونَيِّف حين حقق علماء أوروبا حركة الأرض، وَزَعَم الإنجيليون أنه اتِّباعُ غيرِ سبيل الإنجيل، وتكذيبٌ به، فلو فَعَل مِثْله القرآنُ لانْسَدَّ أو تَعَسَّر طريقُ الهداية على الناس، ولبقي الناس يكذبونه إلى آلاف السِّنِين، فإن التحقيق عند اليونانيين أن المتحرِّك هو الفَرَك‏.‏

وهكذا في جملة المواضع لو تَصَدَّى القرآنُ إلى أسبابها على ما هي في نفس الأمر، ولم يُدْركها النَّاسُ لِقُصور عِلْمهم ووُفورِ جِهْلِهِم، لاستمروا على ما أُوتوا من العِلْم، ‏{‏وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ ‏(‏الإسراء‏:‏ 85‏)‏ ولكذبوا بالقرآن وما اتخذوه سبيلا واعلم أن المتابعةَ تكونُ بين الأقران، لا بين المتقدِّم والمتأخِّر، مع أنه قد جعلها ههنا بني المتقدِّم والمتأخر‏.‏ وقد تعرَّض الحافظ رحمه الله تعالى إلى جوابه في موضع آخَرَ‏:‏ أن المتابعةَ ههنا وإن كانت في اللفظ بين المتقدِّم والمتأخِّر، ولكن مَحَطَّها بين الأقران، أعني يكون مآلُها ومَرْجِعُها إلى المتابعةِ بين الأقران‏.‏

باب‏:‏ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ في الكُسُوف

باب‏:‏ طُولِ السُّجُودِ في الكُسُوف

1049- قوله‏:‏ ‏(‏أن يهوديةً جاءت تسألُها فقالت لها‏:‏ أعاذَكِ اللَّهُ مِنْ عذابِ القَبْر‏)‏ وفي الأحاديث أنه كَذَّبها وقال‏:‏ «إنه سيكونُ لليهودِ دونَ المُسْلِمين»‏.‏

1050- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَمَرَهم أن يتعوَّذُوا من عَذَابِ القَبْر‏)‏ وهذا في خُطبة صلاةِ الكسوف في السَّنة التاسعة‏.‏ فحمله الناسُ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يطلِع عليها قبلها، فقال ما قال‏.‏

أقول‏:‏ ولا ينبغي التزامُ عدم علمه صلى الله عليه وسلّم على مِثْل هذا الأمر الأَهَم إلى تلك المدةِ الطويلة- جمودًا على ظاهر هذا اللفظ- حتى عَلِمه قبل وفاته بسَنة، ولكنَّ الأمرَ أنه كان يَعْلَمُه، وإنما اطَّلع إذ ذاك على بَعْضِ التفاصيل‏.‏

باب‏:‏ صَلاةِ الكُسُوفِ جَمَاعَة

باب‏:‏ صَلاةِ النِّساءِ مَعَ الرِّجالِ في الكُسُوف

باب‏:‏ مَنْ أَحَبَّ العَتَاقَةَ في كُسُوفِ الشَّمْس

باب‏:‏ صَلاةِ الكُسُوفِ في المَسْجِد

باب‏:‏ لا تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِه

وفي «البدائع» أنَّ أقلَّها اثنان، ويختار في الأكثر ويشترط الإمام عندنا لكل جماعةٍ جامعةٍ للجَمَاعات، أو مأمورة وإن كانوا في اقرى يُصَلُّونَ فُرَادَى‏.‏ وعند أبي داود في هذا الحديث أنه قال في هذه الصلاة‏:‏ «أُفٍ أُفٍ»‏.‏ وعن أبي يوسف أنه إن تكلَّم في الصلاة بحرفين لا تَفْسُد صلاته، فإن زاد فسدت‏.‏ ومرَّ عليه الخطابي رحمه الله تعالى ولم يأت بشيءٍ‏.‏

والجواب عندي أن كُتُب اللغة والنحو مشحونةٌ بأن «أف» حكايةٌ عن صوت مخصوصة، فما الدليل على أنه كان تكلَّم بهذه الكلمةِ، لم لا يجوزُ أن الرَّاوي أراد به حكايةَ صوتِه، وحينئذٍ يجوزُ أن لا يكون تكلَّم بها‏.‏

باب‏:‏ الذِّكْرِ في الكُسُوف

باب‏:‏ الدُّعاءِ في الخُسُوف

1059- قوله‏:‏ ‏(‏يَخْشَى أَنْ تَكُونَ الساعةُ‏)‏ واستُشْكِل أنه كيف خَشِي الساعةَ مع أنه لم تجيء بَعْدُ مُقَدِّمَاتُها‏؟‏

والجواب بحذف حَرْف التشبيه، أي قام فَزَعًا كالخاشي للساعة، وهو عندي محمولٌ على ما مرَّ في اضطرابه صلى الله عليه وسلّم عند رؤية الريح والسَّحاب، وهو حالُ الخاشع الخاضع، وهو معنى ما قاله عمر‏:‏ «لو تخلصت رأسًا برأسٍ أرضيت» مع كونه مُبَشِّرًا بالجنة‏.‏ وذلك عند تزاحمُ الأسباب، فإن الله تعالى وإن وَعَدَه بالأمن في طرف، لكن يعارِضُه الكسوفُ من طرفٍ آخر حتى لم يبق منها إلا قَدْرُ تسعة أصابع، ولا تتوجه الأذهان عند طُرُوّ المخاوف والمهالك إلى التطبيق، وإنما يستحضرُهُ مَنْ سَكَنَ قلبُهُ واطمأن فؤادُهُ‏.‏

وأما مَنْ كان هالِكَا في هَيْبة الجلال، ذائبًا من خيفة النكال فيذهل عن القواعد كلِّها على عكس حال الرحمة، حيث خَشي جبريلُ عليه السلام أَنْ تُدْرِك الرحمةُ فرعونَ حين تكلم بكلمة التوحيد، فَدَسَّ في فيه الترابَ ولم يمكنه أن يتكلمَ بها، فهذا باب يعرِفُه أصحابُهُ‏.‏

1059- قوله‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتُم شيئًا مِنْ ذلك فافزَعُوا إلى ذِكْر الله‏)‏‏.‏‏.‏ إلخ وانظر إلى كمالِ المُصنِّف رحمه الله تعالى، إذ أخرج هذا الحديثَ غيرَ مرةٍ، ولم يخرج هذا اللفظ إلا تحت ترجمة الذِّكْر‏.‏ وقد يفعلُ بالعكس أيضًا، فيترجم بِلَفْظ ولا يخرِّجه في الحديث المترجَم له مع أنه يكون فيه عنده في طريق منه فيبدي عجائبَ في صَنيعيه‏.‏